لقد فصَّلوا كلّ شَيْءٍ على مقاساتهِم، كمَن يأخذ قطعة قماشٍ إلى الخيّاط ويطلب مِنْهُ أن يفصلها بدلةً على مقاسهِ حصراً!.
هكذا هُم، فلقد فصّلوا الوطن على مقاسهِم، القوانين والتّشريعات والقضاء والحقوق والاستثمار والعقود والامتيازات والمناصب والمواقع وكلّ شيء!.
حتّى الفُرص بكلّ أشكالِها وألوانِها استولَوا عليها. فلقد استحوذوا على كلِّ شيء ولم يتركوا شيئاً يُذكر للمواطن.
وقتها قالوا إنّ المناصب السياديّة للمكوّنات الأساسيّة الثّلاثة، الشّيعة والسنّة والكُرد، ليتبيّن لنا فيما بعد، ومن خلال الوقائع والممارسات، إنّها لم تكن أكثر من خُدعة كبيرة ليتخندقوا ويتستّروا وراءها للاستحواذ على كلّ شيء، وبذلك حالوا بين الطّاقات الوطنيّة الخلّاقة للبلد وبين المواقع المناسبة التي يُمكنهُم من خلالها المشاركة والمساهمة في البناء والتّنمية والاستثمار والتطوّر والتقدّم!.
لقد ألغَوا نهائياً تقريباً القاعدة المنطقيّة والعلميّة التي تعتمدها الدُّوَل المتحضّرة للبناء والرّقيّ وهي [الرّجل المناسِب في المكان المناسِب] واستعاضوا بدلاً عنها قاعدة [الرّجل الواحد يُناسب المكان الذي يُناسب] إذا بالواحدِ منهم يدورُ على الوزارت والمواقع وكأَنّهم يملأون به الفراغات، كالطّماطة التي يقول عنها العراقيّون إنّها تُناسب كلّ أَنواع قدور المرَق!.
لقد رأينا في العراق عجباً، فوزير الدّفاع هو وزير الثّقافة وكالة، ووزير الشّباب هو وزير النّقل وكالة! وطبيب الكسور هو وزير المالية! شيءٌ لا يشبه شيءٌ حتى اختلطت علينا الأمور! فلا قيمة لشيءٍ اسمهُ اختصاص أو خبرة أو تجربة، ولذلك فشلوا وأفشلوا البلد.!
لقد استبدلوا المعايير الحضاريّة في التّوظيف والتّعيين والمسؤولية كالاختصاص والمعرفة والتجربة والخبرة والنّجاح والإنجاز والنّزاهة والرُّؤية والتّدبير والإدارة، بمعايير جاهليّة ضيّقة كالحزبيّة والعشائريّة والمناطقيّة والعلاقات الخاصّة يجمعها الولاء الشّخصي للقائد والزّعيم والأُسرة! ولذلك {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}.
وأنا هنا لا أعني كلّ الذين شاركوا في العمليّة السّياسية بشكلٍ أو بآخر، وانّما أعني زمرةً من السياسيّين ربما لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدَين، انّهم قادة الأحزاب والكتل الكبيرة، أو من يطلق عليهم العراقيّون صفة [الحيتان الكبيرة] والذين أُسمّيهم أَنا شخصيّاً بـ [العجول السّمينة] فهؤلاء هُمُ الذين استحوذوا على كلّ شيء، وهم الذين يتحكّمون في كلّ شيء، لا شيء يفلت منهم! أما الباقون فهم ليسوا أَكثر من أدوات يوظّفونها لمشروعهم، يختارون منهم لكلِّ مرحلةٍ عدد ممّن يأمر فيُطيع، والقليل النادر منهم تراهُ لكلِّ المراحل تقريباً وهم زمرة الأبواق والزمّارين والطّبّالين الذين مهمّتهم مواصلة التّصفيق للزّعيم ليحصلوا على فتاتهِ!.
إنّهم الزُّمرة التي تتميّز بقابيلّة عجيبة وقدرة استثنائيّة على التّلوّن لأداء كلّ الأدوار المطلوبة منهم من قِبل القائد الضّرورة!.
قد تتغيّر أدواتهُ بتغيّر الظّروف، أمّا [الّلاعب الكبير] فنفسهُ لم يتغيّر! وقد تتغيّر تكتيكاتهُ وشِعاراتهُ، أمّا الإستراتيجيّة والمنهجيّة فلا!.
ولذلك فليس من المستغرب أَبداً عندما نرى أنّ جلّ النوّاب والوزراء وعدد كبير من (المسؤولين) هم عديمي الطّعم واللّون والرّائحة، وأنّهم ليسوا أَكثر من ممثّلين من الدّرجة العاشرة وفي أَغلب الأحيان أنّهم كالكومبارس الذي لا تراهُ إلّا عند الأزمات ليضيف أرقاماً إلى جبهة هذا الزّعيم أو ذاك القائد!.
إِنّهم استحوذوا على المال والسّلطة والإعلام والعلاقات [الدّولية] والأخرى [الأقليميّة] حتى لقد تجمّعت كلّ الأوراق وكلّ خيوط اللّعبة بأَيديهم، يكشفون عن الملفّات متى ما أَرادوا ويتستّرون عليها حين يُريدون، يُزيدون من حدّة الصّراع متى ما اشتهَوا ويهدِّئون اللّعب متى ما استوجبت مصالحهم!.
حتّى [أحزابهم وكُتلهم] لخّصوها بأنفسهِم وعوائلهم، كما فعل ذلك من قبل صاحب نظريّة [بعد ما ننطيها].
لقد حوّلوا مجلس النوّاب الذي هو محور النظام السّياسي الجديد في عراق ما بعد نظام الطّاغية الذّليل صدّام حسين إلى ما يشبه جلسات الفصل العشائري يتحكّم فيه [الشّيخ] فهو الذي يُقرر متى تنعقد الجلسة ومتى لا تنعقد! وما الذي ينبغي مناقشتهُ وما الذي يجب تجنّب الخوضَ فيه! فجلسات البرلمان تتقرّر بالرّسائل النّصيّة القصيرة التي يبعثها [شيخ] كلّ عشيرةٍ لرجالهِ! الذين ينتظرون في صالة البرلمان خارج قاعة الاجتماعات أو في الكفتيريا لحين استلامهِ للرسالة النصيّة التي ستُخبره ما إذا كان عليه أن يحضر للجلسة أو يُسرَّح إلى بيتهِ إلى إشعارٍ آخر، وكذلك ما إذا كان سيرفع يدهُ للتّصويت أم إنّهُ سيحتفظ بها في جيبهِ!.
إنّهم يتعاملونَ من عناصرهِم كراعٍ يَهُشُّ على غنمهِ في حضيرةِ الدَّوابّ أو في المرعى!.
فكيف يُمكن تغيير هذه المعادلة؟!.
غداً الإجابة!.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق